اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد الطيبين الأشراف .. أتستحق التقديس يا زوجي العزيز ؟!
هو الروتين ككل يوم .. طيلة أيام الاسبوع الدراسي ..
تُغادر طفلتها أحضانها برفقة مرشدة حافلة الروضة إلى أحضان مربيتها ومعلمتها الشابة الحنون ..فتُسارع إلى القيام ببعض أعباء المنزل قبل أن ينتابها الملل وتسأم من التحرك في أنحاء البيت المظلم بأحزانه المزدحم بكآبته .. فتُشرع في الهرب من مللها ذاك بإعداد صينية الفطور بما لذا وطاب لها من الأكل .. حتى وإن لم تشعر برغبةٍ في تناوله .. المهم عندها أن تهتز الصينية بين يديها من ثقل ما وضعته في كبدها ...
وما إن تصل إلى مرحلة الشبع والتخمة والإدراك المتأخر بأنها أصبحت أختاً للفيل بالصورة والشبه الجسدي .. تدفع بالصينية ناحيةً منها لتبدأ بالتمدد ممسكةً بجهاز التحكم ترفعه بكسلٍ شديد وخمولٍ لا حدود له تتنقل بين قنوات التلفاز حالمةً شاردة وعيناها بالكاد تفتحهما لترى ما تتوقف عنده .. إنه نُعاس ما بعد وجبةٍ دسمة .. يداعب خيبات الأمل والفشل الكبير لتنام مجدداً ومجدداً ومجدداً أيضاً ..
مازالت تتنقل بين قنوات الأم بي سي والمستقبل والألبي سي وكافة قنوات التلفزة العربية وماتعرضه من برامج لا تزيدها إلا نُعاساً وإفراطاً في الكسل المقيت .. حتى إذا وصلت إلى قناةٍ تعرض أفلاماً هندية .. رأت فتاةً شابةً جميلة تحملُ صينية صغيرة صفراء وضعت عليها بعض أعواد البخور المشتعلة وشيء من الأزهار الجذابة وهي تلف بالصينية أمام شابٍ وسيمٍ يفوقها طولاً وضخامة وأنامل يدها تدفع بدوائر دُخان البخور في وجه الشاب الواقف أمامها بسكينة مبتسماً بدلال عجيب شدَّ صاحبتنا حتى أعتدلت في جلستها تنظرُ بدهشة لما تراه أمامها ..
رافق ذلك المشهد موسيقى ناعمة وصوت حالمٍ لأحدهم يُغني عن الحب والشغف بين الزوجين .. شدها أكثر نغمة العشق في صوت الغِناء .. والذي يتحدث في كلمات الأُغنية عن حب الزوجة للزوج .. وإخلاصها .. وعبادتها له !!
وهل يُعبد غير الله .. نعم كل شيء يُعبد في بلاد الهند ..
من البقر حتى الرجال !!
عجِبتْ صاحبتنا من هذا الإنحناء الكبير في عنفوان المرأة الهندية وطريقة تقديسها لزوجها .. فما إن أنهت مرحلة تبخير هذا الزوج حتى أنحنت تمدُ كلتا يديها نحو قدميه العاريتين لتلمسهما طلباً للبركة منه .. ودلالةً منها على إنحناءها ذاك تواضعاً أمام عظمة الزوج في نفسها ومدى إجلالها لقدره وتقديسها لشخصه ... !!!
عجبت صاحبتنا وبقي فاهها مفتوحاً بدهشةٍ كبيرة ..
مالذي تفعلهُ هذه الأُنثى الهندية ؟ أهي بلهاءٌ أم ضعيفةٌ في عقلها أم مغلوبةً على أمرها .. ما الذي تفعله عند قدمي زوجها .. وكيف تمرغ كرامتها وعنفوان نفسها وتنحدر بشموخ ذاتها هكذا بكل بساطة أمام قدمين لا تتردد في رفسها في أية لحظة .. قدمين تدوس النفس والآمال ..قدمين تنتعل المرأة كالنِعال متى شاءت وتخلعه عنهما متى شعرت بالملل والحاجة في التغيير ..
أكلُ نساء الهند هكذا .. يتعبدن عند أقدام أزواجهن .. ينحنين بأرواحهن وشموخ هاماتهن دون تردد ..ويسمين ذلك تقديساً .. عظمةً .. حفظاً لمكانة الزوج واعترافاً بهيبته وعلو شأنه .. وماذا عنها .. ألا تقديس وهيبة لها عنده .. ثم من يُشرعُ ذلك .. إن عقائدهم لغريبةٌ جداً .. وأعرافهم الإجتماعية لأغرب وأغرب ..
الهند أمةً ذات حضارة وتأريخ إنساني كبير مهيب وجزءٌ لا يتجزأ من هذا العالم .. ولكن لدى شعوب الهند ثقافات وعاداتٌ وسلوكياتٌ بشرية غريبة وربما تأنف الأنفس منها وتنستنكرها أو تستقبحها أيضاً ..
هكذا استمرت صاحبتنا تُفكر محتارة تهزُ رأسها الذي غدى يمتلئ بأفكار وتصوراتٍ عديدة شتت شعورها بالكسل والخمول .. وأدخلتها في دوامةٍ من الحيرة والدهشة ..لا ينفكُ عقلها يتساءل عن ماهية شعور المرأة الهندية وعن طريقة عيشها في أجواء تلك الإعتقادات السائدة في مجتمعها وكيف أنها تعلو بزوجها على حِساب وجودها وهويتها وربما كينونتها كإنسان وأُنثى ..
شعرت بالضيق وقد ذكرها كل هذا التفكير بأمرٍ تأنفه وتكره العيش في أجواءه .. فسارعت لتغيير القناة وإذا بها تصل إلى قناةٍ إسلامية وياللمصادفة رأت أحد علماء الدين يتحدث عن حقوق الزوج في الإحترام والتقديس والتبجيل من طرف الزوجة .. فلم تجد نفسها إلا وقد فغرت فاهها بدهشةٍ أكبر حتى أختلط عليها الشعور بالغيظ والغضب والقهر وودت لو تقذف ما أكلته في صباحها هذا على شاشة التلفاز تقززاً منها واستقرافاً من واقعها البائس الذي تعيش فيه مخنوقةً تختبئ في قوقعتها هرباً من تشوه روحها التي حطمها زوجها وجعلها حبيسةً لدارٍ تعفنت فيها أحلامها وتمزقت شخصيتها حتى غدت هدفاً سهلاً للشياطين تتلاعب بوجودها وحياتها كيفما شاءت .
[size=22]